شرق غرب | العدد 11, جغرافية ثقافية | 22 November 2016
حمود بن حمد الغيلاني
بدَعْوةٍ كريمةٍ من الأخوة بـ”جمعية الذاكرة العمانية”، شاركتُ بمؤتمر “عُمان ودول جنوب شرق آسيا والصين.. آفاق ثقافية وتاريخية وسياسية وحضارية”،” والذي عُقِد في العاصمة الماليزية كوالالمبور، خلال الفترة 5-6 أكتوبر 2016م، وكانت المشاركة فرصةً للقاء عددٍ من العلماء والمؤرِّخين والباحثين من عِدَّة دول عربية وآسيوية شارك باحثوها ومؤرِّخوها الذين ينتمون إلى: المغرب، والجزائر، ومصر، والسعودية، والعراق، والصين، واليابان، وتايوان، وماليزيا، وبروناي، وإيران، وسلطنة عُمان. وقد بلغ عدد البحوث المقدَّمة 40 بحثا، احتوتْ على الكثير من المعلومات التي يُطرح بعضها على طاولة البحث والتناول لأول مرة، تُعبِّر عن علاقة عُمان بدول جنوب شرق آسيا والصين واليابان، وترصدُ حركة التواصل الحضاري بينها وبين عُمان، وتتناول دور الربابنة والتجار رُسل السلام والمحبة العُمانيين مع حضارات وشعوب تلك المنطقة، وقد بَرَع مُقدِّمو الأوراق في عرضها وتناول خباياها، مُثمِّنين الدور الحضاري الإنساني للعُمانيين.
خلال تلك الفترة الصغيرة زمنيًّا، لمسنا من خلال وجودنا في ماليزيا الجانبَ الحضاريَّ للسلطنة قديمًا وحديثاً؛ وذلك من خلال ما يُكنه الماليزيون خاصة وعموم دول جنوب شرق آسيا والصين واليابان للسلطنة وأبنائها، لقد ترك آباؤنا وأجدادنا أثرا إيجابيا بأخلاقهم وتسامحهم واحترامهم للآخرين لدى شعوب تلك الممالك.
وقد حَوَت البحوث المقدَّمة من الصين واليابان وتايوان وتايلاند، وماليزيا خصوصا، نسبة جيدة تُطرح لأول مرة؛ فقد تطرَّق الباحث التايلاندي في بحثه إلى دور العُمانيين في نشر الإسلام، والعلاقات التجارية مع مملكة تايلاند، وأن هناك وثائق صريحة باللغتين العربية والتايلاندية تشير صراحةً إلى الدور العُماني خاصة في نشر الإسلام في جنوب البلاد؛ وذلك من خلال إبحارهم إليها بعد الدوران مباشرة على رأس ملقا (ملكا)، أو تلك السفن العُمانية المبحرة من الفلبين خاصة ميندناو (Mindanao)، وتتطابق هذه المعلومات حول ما أوردناه في بحثنا عن مقاطعة صور (Camarines Sur) وجزيرة طيوي (Tiwi) الفلبين، والوصول العُماني إلى تلك المنطقة بالإبحار المباشر من بورونيو (بروناي Brunei).
إنَّ أدوار العُمانيين الحضارية في مجالات التجارة ونشر الإسلام واللغة العربية، بمختلف صفاتهم: تجارًا، أو ربابنة، أو سفراء لعُمان في بلاط الأباطرة الصينيين؛ تطرق إليها كلٌّ من الدكتور أمين بوتشي رئيس كرسي السلطان قابوس ورئيس جامعة بكين، والدكتور جعفر كرار من الصين. أمَّا الباحث التاريخي (Peng Kwang-Kai) من تايوان، فقد أكَّد على الصلات التاريخية بين عُمان والصين قبل القرن الخامس عشر الميلادي وتأثيرها الثقافي. فيما تناول الباحث د.حكيم إبراهيم الشميري -من ماليزيا- دور العُمانيين في مجالات التجارة ونشر الإسلام واللغة العربية في دول الأرخبيل بالهند الصينية (ماليزيا، وإندونيسيا، وبروناي، والفلبيين، وتايلاند)؛ وتناول الأبعاد التاريخية للعُمانية في التجارة ونشر الإسلام واللغة العربية، وقال: إنَّ رسل السلام والمحبة بمختلف صفاتهم تركوا بصمة واضحة وغنية.
ويُمثل التعاون القائم حديثا بين السلطنة وتلك الدول امتدادا حضاريا مستمرا، تعمل حكومة حضرة صاحب الجلالة على توسعته وتأكيده؛ من خلال التعاون والاتصال المباشر والتنسيق المشترك.
ولم تخلُ الأوراق المقدمة من الباحثين العرب والإيرانيين من إلقاء الضوء على الدور الحضاري العُماني، مع استدلالات قوية من مصادر كتب الرحالة والجغرافيين العرب والمسلمين، مؤكدين على ما توصلوا إليه من نتائج جديرة بالاهتمام؛ أشار إليها الباحث الإيراني علي أكبر ضيائي. بينما أكد المصري الدكتور محمد سيد كامل على دور صحار التاريخي في الاتصال والتواصل مع جنوب شرق آسيا والصين، وهو الأمر ذاته الذي أكد عليه الباحثون من العراق والجزائر والسعودية…وغيرهم.
أمَّا البحوث المقدَّمة من السلطنة، فقد أضافت أبعادا جديدة ومعلومات البعض منها يُطرح لأول مرة؛ فقد أكدنا في بحثنا على استمرارية التواصل البحري العُماني مع دول تلك المنطقة؛ من خلال ما ذكرناه عن ربابنة عُمانيين استمر تواصلهم خلال القرون الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين، حيث أكدنا على إبحار الربان العُماني سعيد بن محمد بن راشد آل فنه العريمي من ولاية صور إلى خليج ملقا (ملكا) عام 1947م.
أمثلة على الأثر العُماني:
تنوَّعتْ الآثار الإنسانية التي تركها العُمانيون في نفوس تلك الشعوب امتدادا من اليابان في أقصى الشرق الآسيوي وحتى ماليزيا.. ونذكر منها أمثلة لا حصرًا:
– شخصية أبوعبيدة عبدالله ابن القاسم (133هـ/775م)، ودوره الحضاري الأخلاقي، حتى أطلق عليه إمبراطور الصين لقب “جنرال الأخلاق الحميدة”.
– عبدالعزيز العُماني، الذي عمل على نشر الإسلام في ماليزيا، وأنشأ مسجدا عُرِفَ باسم مسجد عبدالعزيز العُماني، وهذه المعلومة مصدرها الشيخ أحمد بن سعود السيابي، ذكرها في بحثه المقدم في المؤتمر.
– وجود مُسمَّيات لمدن عُمانية في الفلبين تُؤكِّد على مدى التأثير العُماني في نفوس أبناء ذلك الجزء من العالم. ولكون المعلومة جديدة، فإننا نرى أنَّها تحتاج إلى دراسة أعمق لتأكيدها أو نفيها.
-التنظيم الإداري للنشاط البحري في الصين الذي أرساه العُمانيون منذ بدء فترة التواصل العُماني مع الصين، والذي تمثل في الإشراف العُماني على سيرورة الميناء في كانتون.
– التزام العُمانيين بمساهمتهم في درء الأخطار عن الصين من هيجان البحر؛ حيث أبدى أبوعبيدة عبدالله بن القاسم استعداده تحمُّل تكلفة ذلك العمل، ومع أن السلطة الصينية اعتذرتْ عن قبول هذه المساهمة، إلا أنَّها ثمنت هذا الفكر والبُعد الأخلاقي للعُمانيين عموما وأبوعبيدة خصوصا.
– الوصول العُماني المبكر إلى الصين بحرا بالتأكيد له أثره في نقل المعارف والعلوم العُمانية، ومما يؤكد ذلك قيام الصينيين بعد ذلك برحلاتهم إلى المنطقة، وهو ما يُؤكِّد اطلاعهم على خبرة العُمانيين البحرية، ومعرفتهم بمسالك ومجاري السفن من عُمان إلى الصين.
إشارة أخيرة:
مما لاحظناه خلال زيارة المتحف الإسلامي الماليزي، احتواء المتحف على الكثير من مقتنيات المعالم الحضارية الإسلامية من المغرب غربا وحتى الصين ودول وسط آسيا شرقا، إلا أنَّ العُماني غير موجود، وهو ما يتناقض ودور العُمانيين الحضاري في تلك المنطقة. وعليه، نرى ضرورة أن تسعى الجهات الحكومية بالسلطنة إلى تقديم بعض الهدايا إلى الحكومة الماليزية لعرضها بالمتحف الإسلامي؛ لما في ذلك من تعريف بدور وعمق الحضارة الإسلامية العُمانية، مما قد يدفع البعض مِمَّن يتعرفون على تلك المقتنيات إلى زيارة السلطنة والاطلاع على معالمها الحضارية، والتعرف على عُمان عن قرب.. ومن هنا، نقترح بعض الأمثلة مما قد يُقدَّم:
* العمامة السعيدية.
* المخطوطات العُمانية.
* الخنجر العُماني (السعيدية، والنزوانية، والصورية، والصحارية).
* نماذج للسفن العُمانية التي كانت تبحر إلى ماليزيا، ومنها إلى بقية دول المنطقة (العكيري، والبغلة، والبدن…وغيرها).
* مجسم لجامع السلطان قابوس الأكبر، الذي يعتبر من المعالم الحضارية الحديثة في عُمان.
* النسيج العُماني: كالمصر الحيدري، والساحة، والإزار السمائلي.
* اللبان العُماني، ومبخر عُماني.
مع تعريف موجز باللغتين العربية والإنجليزية، ومن ثم تتولى مملكة ماليزيا ترجمته إلى اللغة الماليزية.